حكاية رجل في مقهى – عمر طرشونة


عمر طرشونة طالب سنة ثانية ماجستير قانون خاصّ

قصدت المقهى كعادتي

بيتي كلّما غلبني الضجر

حاملاً بيدي صحيفتي

عَلِّي أَقرأ ما كتب من خبر

و ألاقي أبناء حارتي

فأستأنِس بهم هذا العصر…
دخلت المقهى بالترحاب

وجدت النادل مع ناسٍ كثر

كعادته  متكئا على الباب

يتحدّث في السّياسة، يثرثر

والجمع من الأصحاب

ينصِتُ تاراتٍ، ويلتفِتُ أخر…
بركن المقهى، سِلعٌ بائرة

ذاتُ وجوهٍ ذابِلةٍ حائرة

حديثهم رتيبٌ  ركيكٌ

اِستَهلكوه ألف مرّة

مجلسهم كلّهُ مُمِلّ

تَغِيبُ عليهِ المسرّة

شايٌ بالنعناع شرابي

مشروبهم قهوَةٌ مُرّة

…إتّخذت مكاني بالمقهى

وجعلت أتصفّح الجريدة

قارئاً بعيني سارِحًا بذهني

فقد حفظت أخبار الجريدة

الكلّ يشتكي ! الكلّ يبكي !

وكأنّها لأنباء الأمس معيدة

سئمتها، تركتها على طرف

فهي عن واقعِي جِدُّ بعيدة…
غيّرتُ مقامي أمام المقهى

بعد انتهائي من الصحيفة

أشعلت سيجارة،

ترشّفت الشّاي

منتظرًا عليل النسمةِ الخفيفة

هنا ميعادُنا كلّ يومٍ

تمرّ فتبعثُ في القلب خيفة

أصمّ، أبكم حين أراها

وحين ترمقني بعينها

العفيفة.

طال ٱنتظاري أمام المقهى

ولم تأتي من بفؤادي رئيفة

الكلّ مرّ من أمامي

القصيرة والطويلةُ،

والسمينةُ والنحيفة

إلّا من تُكحّل رموش قلبي

أين أنتِ؟ أين أنتِ يا ظريفة ؟

فمن أجلكِ آتِ للمقهى

لا للرفاقِ ولا للصحيفة
…سئمت ٱنتظاري أمام المقهى

فما عاد لانتظاري جدوى

هممت بالقيام في حسرة

فما مرّ يومٌ دون مرور الحلوة

فهي التي أضفت لحياتي معنًى

والتي أرجعت لأحلامي الصفوة

والتي جعلت لأكلي طعما

فالفول عندِي مَنٌّ و سلوى

قمت وغادرت المقهى

بعد توديع النّادل ومن كانوا بالمقهى

وحتّى من كانوا بركن المقهى

فاليوم أتعسُ يومٍ بالمقهى

فما قرأت نسيته

وما شربت عفته،

حتّى مسلكي ضللتُه
هائمٌ في طريقي من المقهى

لمحت من ٱنتظرت أمام المقهى

معانِقةً من كان بركن المقهى

وأنا الذي ظننتها

الشريفة، العفيفة

الظريفة، الطريفة…

طعنتني طعنةً حرام

كمن يطعن في الجيفة

هذه حالتي منذ عهدتها…

دومًا سخيفة

هنيئًا لك يامرتكن المقهى

من فضلك، أبلغ نادل المقهى،

أن يترك مكانك لي بركن المقهى